رغم التضخم العالمي.. شهر رمضان حافز للانتعاش الاقتصادي المحلي

 



 في ظروف اقتصادية عالمية استثنائية غير مسبوقة، يهل علينا شهر رمضان المبارك، وموجات التضخم تضرب المعمورة، مصحوبة بارتفاع قياسي لأسعار السلع الأساسية، على المستوى العالمي، مع اضطراب في سلاسل التوريد، يرافقه ارتفاع في كلف التمويل والاقتراض، وغيرها من العوامل، التي قد تضغط على ميزانيات الأسر.


وعلى عكس توقعات البعض، من أن يؤدي الشهر الفضيل إلى تباطؤ النمو بالدول العربية والإسلامية، ويؤثر سلبا على العمليات الإنتاجية فيها، نتيجة تقليص مدة العمل، بسبب ساعات الصيام الطويلة، إلا أن خبراء استطلعت آراؤهم وكالة الأنباء القطرية /قنا/، أتت مخالفة لتلك التوقعات.


وأكد الخبراء أنه لا توجد علاقة للشهر بحدوث التباطؤ أو ارتفاع الأسعار وتضخمها، بل على العكس من ذلك، فـ"رمضان" فرصة للتعافي، بفضل ما يحمله من انتعاش قوي للأسواق، حيث يسهم الشهر المبارك في إعادة تنشيط النمو الاقتصادي، ويحرك عجلته بقوة، للمضي قدما في تحقيق المزيد من المكاسب والعوائد.


وحول مدى تأثير رمضان على اقتصادات البلدان المسلمة وغيرها، وعلى أسعار السلع فيها، أجمع الخبراء على أن الكثير من الشركات سواء أكانت استثمارية أم صناعية، تحقق أرباحا طائلة، وتتضاعف، نتيجة زيادة الطلب على منتجاتها، خلال الشهر الكريم، وإن نفحات رمضان، وما يجلبه من خير وسرور تحل على المسلمين في كل بقاع العالم.


ورغم موجات الركود والانكماش، التي شهدها العالم سابقا، خاصة أوروبا، إلا أن الشركات والمطاعم الإسلامية، استمرت بالعمل بشكل جيد، مع زيادة الطلب على الأكل الحلال، وأن الشهر الفضيل أحدث نشاطا تجاريا في الدول الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من البلدان التي يعيش فيها المسلمون، حيث يؤكد الدكتور رجب عبدالله الإسماعيل، أستاذ المحاسبة بجامعة قطر، على أن معدلات الاستهلاك في الشهر الفضيل مرتفعة جدا، وإلى جانب كونه شهرا دينيا فهو أيضا اجتماعي، تكثر فيه الزيارات وصلة الأرحام، وتتضاعف فيه الموائد الرمضانية، لتأتي بعدها فرحة العيد، مما ينعش حركة الأسواق، ويرفع حجم مبيعاتها، مقارنة بالأيام والأشهر العادية الأخرى.


وأضاف الإسماعيل أنه من الطبيعي جدا أن يرتفع معدل الاستهلاك في موسم رمضان، وهو بحد ذاته عملية توازنية بين الإنفاق والاستهلاك، لكن لدينا اليوم، تقليدا للعادات الاستهلاكية الخاطئة، والمطلوب هنا الموازنة بين مستوى الدخل والاحتياجات الفعلية، بعيدا عن الإسراف أو التبذير، في الشهر الفضيل، الذي هو أساسا شهر عبادة.


وفي ظل الأوضاع العالمية الراهنة، وما يرافقها من أحداث تضغط هي الأخرى بثقلها على الاقتصادات، وعلى جيوب الأسر، شدد الإسماعيل على ضرورة التمييز بين الاحتياجات الضرورية والكمالية، مع الابتعاد عن البذخ، وعدم هدر المال الذي يتأتى بعد توفير طويل في ساعات وأيام، فقد يسافر أحدنا إلى الخارج للترفيه عن نفسه، ويصرف مبلغا طائلا، وبالمقابل قد يرفه عن نفسه بدولة قطر بمبلغ يسير، لاسيما وأن بلادنا يتوفر بها الآن كل شيء، فالمسألة إذا ليست مرتبطة برمضان.


وضرب أستاذ المحاسبة بجامعة قطر مثالا لشخصين، يتقاضيان نفس الراتب الشهري، لكن بينهما فرق في مستوى المعيشة، بسبب التفاوت في إدارة النفقات والمديونية، فالقروض البنكية تثقل كاهل الأسر، لذا يجب الابتعاد عنها قدر الإمكان، خصوصا إذا تم صرفها بأمور استهلاكية، فضبط القدرات المالية واستثمارها بالعقارات وغيرها، أمر ضروري من أجل التكيف مع الأزمات الاقتصادية الطارئة، ما بعد التقاعد، فالاستثمار يوفر دخلا جيدا، يسهم في تحسين مستوى جودة الحياة مستقبلا.


وعن أثر الشهر الفضيل في ارتفاع الأسعار وتضخمها، لفت إلى البدائل المتاحة بالأسواق المحلية، والخيارات المتنوعة بأسعار متفاوتة، فسوقنا المحلية مفتوحة، والأسعار متاحة إلكترونيا، وبالإمكان المفاضلة بينها، كما أنه بالإمكان اللجوء إلى خيارات الشراء الذكي، وهذه الأمور جميعها تدفع التجار لتقديم أفضل ما لديهم من عروض ترويجية لاستقطاب العملاء، طيلة الشهر الفضيل، وهو ما يزيد من تنافسية الأسواق، والأمر بحد ذاته إيجابي بالدرجة الأولى، ولا أرى لرمضان أثرا في رفع الأسعار، بل على العكس يسهم في خفض حدتها.


 


أما رجل الأعمال السيد علي حسن الخلف، رئيس مجلس إدارة الشركة القطرية للمجمعات الاستهلاكية، قال: "رمضان شهر الرحمة تتنزل فيه البركة"، وجرت العادة التحضير والتجهيز له مبكرا، استعدادا للموائد، التي ترسل كوجبات للآخرين، وعادة ما يزداد النشاط الشرائي بهذا الشهر، وينتعش السوق بأكمله، في ظل رخاء العيش، ولله الحمد.


وأضاف، يتضاعف الإنفاق في رمضان، ويزداد فيه الطلب على السلع والمواد الغذائية، وهو أمر طبيعي جدا، وتتفاوت عمليات الشراء من فرد لآخر، ويتم تبادل السلع كهدايا وغيرها، وباختصار الشهر المبارك، يعد موسما اقتصاديا، تنشط فيه مصالح الناس ومنافعهم.


وحول الأسعار، لفت إلى ما تقوم به الجهات المختصة من تنظيم ومراقبة حركة نحو 500 سلعة أساسية، وهو ما يسهم في استقرار أسعارها، طيلة أيام الشهر الكريم، كما أن ارتفاعها قد يبدو ظاهرة "صحية"، فالارتفاع يعد ضروريا بالنسبة للتاجر، مما يشجعه على جلب المزيد من السلع، بينما يعد للمستهلك طبيعيا، فكلما زادت السلع قل السعر، وبالتالي أصبح الاستحواذ عليها أسهل من السابق.


وعن اعتقاد البعض بتباطؤ الحركة وضعف الإنتاج في رمضان، أكد عدم صحته، خصوصا وأن الجميع ينتظر الشهر، لأن النشاط التجاري فيه ينتعش وينمو، ويسهم في خفض الأسعار، نظرا لكميات السلع الكبيرة الواردة إلى منافذ البيع، وحرص الجميع على تسويقها، بدلا من تكديسها لما بعد رمضان، فتتلف، وهذا الأمر ينطبق على جميع السلع، بما فيها الخضار والفواكه، التي لا تحتمل التخزين أساسا، وتفقد صلاحيتها بسرعة.


ويرى المحلل المالي، السيد وليد الفقهاء، أن الشهر المبارك يأتي هذا العام في ظل ظروف اقتصادية استثنائية، لم يشهدها العالم منذ 40 سنة، وعادة ما يرتبط رمضان بزيادة الاستهلاك والإنفاق، مدفوعا بمجموعة من العوامل الثقافية والدينية، ولكن يأتي العام الجاري في ظل اضطراب سلاسل الإمداد، مما قد يرفع من أسعار المواد الغذائية والمشروبات، التي تعتبر أهم عناصر مؤشر أسعار المستهلك.


وأضاف أن التركيز هو على السلوك الاستهلاكي، فمن الناحية النفسية تؤدي المناسبات لظهور ظاهرة العدوى العاطفية "أي ميل الناس لتبني مشاعر وسلوكيات من حولهم"، حيث يتأثر سلوك المستهلك بالعوامل الثقافية، والأعراف، وحملات التسويق، والإعلان، ومنافسات التجار والموردين، مما يضغط على سلوكه، ويغيره بشكل كبير، خلال فترة قصيرة، قياسا بحجم الحملات التسويقية، التي يتعرض لها باليوم الواحد، في ظل تطور وسائل التسويق الإلكتروني، مما قد يؤثر بالنهاية على مستويات الأسعار، ويؤدي إلى اختلال في العرض والطلب أثناء الشهر.


ولمعالجة ذلك من وجهة نظر الفقهاء، يمكن للمستهلكين اتخاذ خطوات فاعلة في إدارة الإنفاق، وتجنب التبذير، وتحديد ميزانية للشراء، مع تجنب الشراء المندفع، واختيار التجار المحليين، الذين يقدمون أسعارا عادلة، وممارسات تجارية شفافة.


أما من ناحية الممارسات الرقابية، فقد أكد أهميتها في المحافظة على استقرار الأسواق والأسعار، مؤكدا أهمية وضع خطط ترويجية للمستهلكين، وتوفير برامج للانخراط بأنماط استهلاكية أكثر مسؤولية واستدامة، من خلال مشاركة الطعام، والحث على خدمة المجتمع، والاشتراك ببرامج المسؤولية الاجتماعية خلال الشهر.


ودعا إلى فهم أفضل لسيكولوجية المستهلك أثناء مواسم الأعياد والمناسبات الدينية، كشهر رمضان، لتطوير استراتيجيات وخطط فاعلة تعزز التنمية المستدامة، وتزيد الشفافية والمساءلة في إدارة التسعير والمخزون، مع ضرورة تبني مبادرات تحفز الشركات التي تطبق ممارسات مسؤولة تجاه المجتمع.


ونوه بما تحققه الشركات من أرباح، إذ تتضاعف خلال الشهر الفضيل عوائدها ومكاسبها، نتيجة زيادة الطلب على منتجاتها، فرمضان محرك للأسواق ومحفز لأدائها العام، فعلى سبيل المثال شهدت الولايات الأمريكية أسوأ موجة تضخم في 1983، كذلك أوروبا شهدت هي الأخرى خلال العقود الأخيرة، العديد من موجات الركود والانكماش، كأزمة الرهن العقاري وغيرها، إلا أن الشركات والمطاعم الإسلامية، بقت تعمل فيها بشكل جيد، رافقه طلب متزايد على الأكل الحلال، وهذا دليل على أن الشهر الفضيل يحدث نشاطا تجاريا نوعيا في البلدان التي يعيش فيها المسلمون، لا تباطؤا اقتصاديا كما يعتقد البعض.


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة