شكل سوق "عكاظ" في العصر الجاهلي تداولًا للشعر والأدب والخطابة، فكان ثمرة من ثمرات الحكمة عند بلغاء العرب، وعلى منواله كان "مربد" البصرة في العصر الأموي، إلى أن توالت مجالس الخلفاء، ومنهم عبدالملك بن مروان والمنصور والرشيد والمأمون، فأفرزت نجومًا ما زال يشار إليهم بالبنان، من أمثال المتنبي وأبو فراس الحمداني وغيرهما، ولم تتخلف الأندلس عن هذه الحالة، فكان مجلس ولادة بنت المستكفي بمثابة ملتقى يضم أهل الأدب والشعر.
ومن الأندلس إلى أوروبا بعد حين، وخصوصًا في إيطاليا في القرن السادس عشر الميلادي، كان ظهور ما يسمى بـ "الصالونات"، والتي كانت برعاية نساء ميسورات شغفن الأدب والفن، لينتقل هذا التقليد إلى فرنسا فكان ظهور أول صالون أدبي سنة 1608 برعاية "كاترين"، واستمر لنحو 50 سنة، وشكل ذلك تقليدًا ثقافيًا جديدًا بظهور "الصالونات الثقافية" التي شكلت إرثًا، اتسع نطاقه فيما بعد بظهور الملتقيات الثقافية، لتضخ خطابًا ثقافيًا، يتجاوز النمطية، ويتوق إلى مسايرة العصر، بما يحمله من حداثة، وما بعدها.
ومن ملامح هذا التطور في عالمنا العربي، انتعاش المجالس و"الصالونات" الثقافية، ومنها صالون "مي زيادة" الذي استمر عقدين، وكان من رواده محمود عباس العقاد وأحمد شوقي ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم، وكذلك صالون العقاد نفسه، وغيره كثير ممن كان لها الأثر الكبير في الزخم الثقافي الذي ميز النصف الأول من القرن الماضي وما بعده، إلى أن تبلورت في شكل ملتقيات وأندية ثقافية، كان ظهورها في العالم العربي واضحًا مع نهاية القرن العشرين، ليصل قطارها في قطر في ديسمبر 2017، إثر مقترحات المبدعين بتأسيس هذا الملتقى، على هامش الدورة السابعة والعشرين لمعرض الدوحة الدولي للكتاب آنذاك، ليكون إشهار الملتقى عام 2018 ، ليصبح هيئة ثقافية تابعة لوزارة الثقافة، اهتمامًا بقطاع التأليف وبالمؤلفين على وجه التحديد، وليمثل الملتقى حيزًا لحرية الرأي وصناعة المستقبل من خلال الكتَّاب، وإحداث التغيير الإيجابي، وإحداث حراك ثقافي وبالتكامل مع الجهات ذات العلاقة بدون أي ازدواجية.
وما بين مرحلتي الفكرة والإشهار، وصولاً إلى المرحلة الحالية للملتقى، يكون هذا الكيان الثقافي، مر عليه قرابة أربع سنوات، وطوال هذه الفترة، شهد العديد من التحديات، التي تنوعت ملامحها، ليأتي اليوم، ليطرح التساؤل نفسه: هل تمكنت هذه المنصة من تحقيق أهدافها؟، وهل هناك جدوى من الأساس في قيامها؟، وما المأمول منها، وسط ما واجهته من تحديات؟، وهل بالفعل تلامس طموح المبدعين، وتواكب تطلعاتهم؟.