مهن يهجرها القطريون رغم رواتبها المرتفعة.. فهل ضغط العمل والدوام هما السبب؟

 


يركز الخريجون القطريون على مهن بعينها سواء في القطاع الحكومي أو في القطاع الخاص رغم أن هناك عدداً من المهن تمتاز بالدخول الكبيرة لكن تظل بحاجة دائمة للعمالة الوافدة لتعويض غياب المواطنين عنها .


من التدريس والطب البيطري ومروراً بمجالات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.. مجالات لم يقتحمها المواطنون، ويفضلون بعض المجالات المعروفة كالإدارة والموارد البشرية وبعض مجالات الطب والهندسة.. على الرغم من توسع الدولة واستثماراتها في قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.. فما هي الأسباب لهجر مجالات عمل بدخول مرتفعة كما يقول البعض على مواقع التواصل؟


وكان الدكتور حسن بن راشد الدرهم رئيس جامعة قطر، قد قال إن لدينا عزوف من قبل شبابنا وبناتنا عن التخصصات العلمية سواء في الهندسة والطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض وكذلك التخصصات العلمية البحتة في الرياضيات والفيزياء والأحياء والجيولوجيا وغيرها من التخصصات التي يحتاجها سوق العمل وهناك تركيز أكبر في تخصصات بعينها.


ويؤكد عدد من الخبراء، أن الجيل الحالي من الشباب بدأ اقتحام مجالات جديدة لكن البحث عن الأمان الوظيفي الذي يوفره القطاع الحكومي خاصة يظل الأكثر ميلاً نظراً لتحديات العمل الخاص .


ورأوا أن بعض المهن لم تعد مطلوبة في قطر بل في كل دول العالم بسبب التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي، وأشاروا إلى ضرورة توجيه الكوادر القطرية بحسب رؤية الدولة الاستراتيجية، فيما اقترحوا بعض المحفزات لتشجيع الشباب القطري على التوظيف في مجالات تحتاجها الدولة، وتدريب الخريجين لمدة عام على عدد من الوظائف بالمجالات الاستراتيجية كقطاعات الطاقة والطيران والزراعة والصناعة.


تساءل الدكتور عبدالله الخاطر الخبير الاقتصادي حول أن بعض المهن التي لا يقبل عليها الخريجون القطريون مازال يقبل عليها الخريجون في العالم أيضاً بعد التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي وفي ظل الذكاء الاصطناعي؟ .


وقال د. الخاطر: إن العالم تغير كثيراً وأصبحت بعض الوظائف ضعيفة الإقبال عليها نظراً لعوامل اقتصادية واجتماعية كثيرة، وأضاف أن الحالة القطرية أيضاً مختلفة عن دول العالم، فكل دولة تحتاج إلى جميع الوظائف، وللتوظيف في كل المجالات لكن تختلف القطاعات الاستراتيجية وذات الأولوية بالنسبة لها.. والسؤال في هذا الصدد هو: أين تركز دولة مثل قطر على التوظيف ؟


وتابع: إن لدى قطر رؤية استراتيجية هي رؤية 2030 للتحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة والاقتصاد الرقمي وبالتالي مع عدد الكوادر القطرية المحدودة يجب التركيز على التوظيف في قطاعات بعينها مثل الأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن القومي والأمن الاستثماري والهندسة الرقمية والتعليم وغيرها .


وأشار د. الخاطر إلى أن القطاعات المهمة بالنسبة لدولة قطر تتركز على الطاقة والاستثمار والصندوق السيادي ولا تستطيع أن توجه الخريجين إلى كل الوظائف.. لكن عليك أن تتساءل عن الأهم بالنسبة لك الاستثمار أم الطب البيطري على سبيل المثال؟


من جانبه، يؤكد الدكتور محمد الكبيسي خبير ومدرب تنمية بشرية وإدارية أن قطاعي الصناعة والزراعة هما الأهم للشباب والمستقبل، لافتاً إلى أن قطر من الممكن أن تتحول لدولة زراعية وصناعية وفق التكنولوجيات المتطورة، ومشيراً إلى أن الدخول مرتفعة في مثل هذه القطاعات الاستراتيجية وهي بحاجة ليبادر شبابنا باقتحامها والتفكير خارج القطاع الحكومي .


ويقترح الكبيسي أن يتم تدريب الشباب لمدة عام من حياتهم الوظيفية مقابل راتب في القطاعات الحساسة والمهمة بالنسبة للدولة والتي تحتاجها، فقبل أن يقع اختيار الخريج على المكان (س) و (ص) الحكوميين بسبب شعوره بالراحة أو وجود الأقارب أو الراتب وغيره لابد أن ينفذ برنامجاً تدريباً عملياً في عدد من القطاعات مثلاً خلال شهرين أو ثلاثة أشهر في قطاع الطيران ثم ينتقل إلى قطاع الطاقة ثم إلى قطاع الزراعة ثم إلى قطاع الصناعة .


ويرى الخبير أن التدريب الميداني العملي للمتقدمين للوظائف سيمكنهم من الدخول في القطاعات التي لديهم خوف أو رهبة من الدخول فيها، فهي قطاعات تحتاجها الدولة، في المقابل كل جهة توظيف تقوم على تدريبهم وإصقال خبراتهم في تلك القطاعات الحيوية، وبالتأكيد سيختارون العمل في تلك القطاعات لأنهم ذاقوا طعم الأمل فيها.


ويضيف: حتى إذا طلبوا في النهاية التوظيف الحكومي سيدخلون الوظائف الحكومية بعقلية مختلفة، ويشير إلى أن الأزمة الحقيقية أن الطلاب المتخرجين بكل روح الشباب والحماس عندما يلتحقون بالعمل الحكومي يواجهون الكثير من التحديات البيروقراطية.


كما اقترح د. محمد الكبيسي إعادة النظر في المحفزات المادية التي تعطى لبعض القطاعات الحكومية في مقابل محفزات أقل لبعض القطاعات، وخاصة القطاعات  المدنية  .


تقول الخبيرة الاجتماعية ظبية المقبالي إن الجيل الحالي من المواطنين يتوجه لمجالات عمل مختلفة عن المجالات التقليدية المعتادة، لكن يظل لدى القطريين ثقافة البحث عن الوظائف الآمنة الحكومية التي تخضع لقانون الدولة في الموارد البشرية والتوظيف وفي الحقوق والامتيازات .


وتوضح أن الموظف القطري يظل يعاني بالقطاع الخاص في محاولة إثبات نفسه، وخاصة أن معظم من يعملون معه غير قطريين ويخشون دائماً من تواجده ويمكن أن يتعرض لضغوطات في بيئة العمل وأحياناً "للتطفيش"، ولذلك يلجأ الشباب في قطر إلى العمل الحكومي بسبب الأمان الوظيفي الأعلى  من نظيره في القطاع الخاص.


وحول شائعات عدم احتمال القطريين لساعات العمل، وبيئات العمل الضاغطة، تقول المقبالي: القطريون أثبتوا جدارتهم في أنهم يداومون دوامات لساعات عمل طويلة وفي بيئات عمل ضاغطة وليس مثلما يشاع، والدليل فترة الاستعداد لكأس العالم قطر 2022 والتنظيم الرائع الذي شاهدناه حيث أثبت المواطنون فعلاً جدراتهم في هذا الأمر.


وحول فكرة التوظيف في قطاعات جديدة كالطب البيطري وغيرها، تقول الخبيرة إنه ليس مهنة الطب البيطري هي الوحيدة الذي يهجرها المواطنون، فهناك عدد محدود من الشباب القطري يعمل في مهنة مثل مهنة التدريس وهي مهنة معروفة،  فما بالنا بالمهن التي لم يخضوها القطريين مثل الهندسة الزراعية وغيرها.


وترى ظبية المقبالي أن الحل في وجود محفزات قوية من الدولة لتحفيز القطريين في الدخول لهذه المجالات .

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة