هل يتأثر سوق العمل في قطر بالذكاء الاصطناعي وما القطاعات المتضررة؟

 


يتجه العالم إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، بصورة كبيرة في مختلف المجالات والقطاعات وفي جهات العمل الحكومية أو الخاصة للاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها لتحسين بيئة العمل وزيادة الإنتاجية وتقليل هدر الوقت وأيضاً تقليل العاملين وترشيد النفقات، ليتجدد السؤال عن كيفية الاستفادة من هذا التطور التكنولوجي الذي يعتبره المختصون ثورة جديدة في هذا المجال؟ وهل سيكون له انعكاسات سلبية على الموظفين أو تقليل فرص العمل المستقبلية؟ وكيف؟ ليتواصل الجدل الذي لا يخلو من مخاوف، تعززها تقارير متخصصة، عن مئات الملايين من الوظائف التي ستتأثر سلباً بالمتغير الجديد في حال انتشاره، وهو أمر متوقع..


وتشير أحدث الأرقام أنه في الربع الأول من عام 2023 خفّض القطاع التكنولوجي عدد الوظائف في العالم أكثر بـ5% مما فعل خلال عام 2022 كاملاً.


وتقول مؤسسة "غولدمان ساكس" في تقرير حديث لها إن هناك 300 مليون وظيفة على مستوى العالم ستتأثر بالذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي.


"الشرق" استطلعت رأي خبراء ومختصين في التكنولوجيا لمعرفة توقعاتهم لمستقبل الذكاء الاصطناعي في قطر في ظل البنية التكنولوجية التي تمتلكها، ومناقشة تأثيره على سوق العمل في قطر وما أبرز القطاعات المستفيدة وهل سيقلل فرص التوظيف أم العكس، وما المطلوب من العاملين في القطاعين الحكومي أو الخاص للاستفادة القصوى من مزايا الذكاء الاصطناعي؟ وهل ستتغير مسارات اختيارات الطلاب في المرحلة الجامعية في ظل الوافد الجديد من عالم التكنولوجيا؟


يؤكد عمار محمد مستشار ومدرب تسويق رقمي أن دولة قطر تعتبر واحدة من الدول الرائدة في الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية والذكاء الاصطناعي. حيث تهدف الحكومة إلى تحويل الدولة إلى مركز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة. وقد شهدت قطر توجهاً كبيراً نحو تطبيق التقنيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والذي يعد من أولوياتها في مسيرتها نحو الاقتصاد الرقمي.


وأشار إلى أنه تم إطلاق عدة مبادرات وبرامج لتعزيز الذكاء الاصطناعي في قطر، مثل مركز قطر للذكاء الاصطناعي (QCRI) ومؤسسة قطر للحوسبة العلمية (QSC). وهناك أيضاً عدة مبادرات حكومية وخاصة تهدف إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والنقل والتجارة.


وأضاف: بشكل عام، تعتبر قطر مكاناً جيداً للاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطوير المشاريع التي تستفيد منه، حيث تتمتع ببنية تحتية تكنولوجية قوية واستراتيجية واضحة لتحويل الدولة إلى مركز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة.


وأوضح أن الذكاء الاصطناعي من التقنيات الحديثة الأكثر شيوعاً في العالم الرقمي، ويتميز بأهمية كبيرة في مختلف المجالات، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات والدول:


أولاً- يمكن للأفراد استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين حياتهم وزيادة إنتاجيتهم، وإدارة الوقت وتحسين الإنتاجية الشخصية. ومن خلال استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، يمكن تحليل البيانات مما يجعلها تفيد الأفراد في اتخاذ القرارات الصحيحة.


ثانياً- يمكن للمجتمعات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة، مثل تحسين الصحة العامة والمساعدة في تطوير الطاقة المتجددة وإدارة النفايات بطريقة أكثر فعالية. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير المدن الذكية وتحسين الخدمات الحكومية العامة.


ثالثاً- يمكن للدول الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين الأمن القومي وإدارة الأزمات والكوارث. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية، مثل تطوير أنظمة الدفاع الجوي والتعرف على الأهداف المحتملة.


وبيّن عمار محمد أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات والصناعات المختلفة، من بينها: التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي، والتمويل والخدمات المصرفية، والطب والرعاية الصحية، والصناعة والتصنيع، والنقل واللوجستيات، والأمن والدفاع، والتعليم والتدريب.


وحول مدى وكيفية تأثر سوق العمل في قطر بالذكاء الاصطناعي على الوظائفن يؤكد عمار محمد أن سوق العمل في قطر سيتأثر بالذكاء الاصطناعي، ولكن يمكن أيضاً أن يساعد على خلق فرص عمل جديدة وتحسين الفرص الحالية، مضيفاً: على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من الصناعات في قطر مثل النفط والغاز والتجزئة والتمويل والخدمات اللوجستية، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى تحسين كفاءة العمل وتحسين الأداء الاقتصادي في البلاد.


ويستطرد: مع ذلك، قد تتأثر بعض الوظائف بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل الوظائف المتكررة والمنتظمة والتي تتطلب مهارات منخفضة، مثل العمل الإداري والحسابي والمنتجات الصناعية التي تستخدم العمالة اليدوية. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أيضاً أن يؤدي إلى خلق وظائف جديدة في مجالات مثل البرمجة والتحليل البياني والروبوتيات والتصميم والتطوير، وبالتالي يمكن أن يعزز سوق العمل في قطر.


بشكل عام، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد على تحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز سوق العمل في قطر، ومع ذلك، يتطلب ذلك توفير التدريب والتأهيل المناسب للعمالة الحالية والمستقبلية، بحيث يتمكنوا من التأقلم مع تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة من فرص العمل الجديدة التي يمكن أن يخلقها.


ويرى عمار محمد أن العاملين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص مطالبين بالكثير من الأمور للتعامل متغير الذكاء الاصطناعي للاستفادة منه، قائلاً: يتطلب التعامل مع التطورات الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) وتطبيقاتها في العمل تحديث الكفاءات والمهارات المطلوبة لدى العاملين في القطاعين الحكومي والخاص. ومن أجل الاستفادة الكاملة من فوائد هذه التكنولوجيا الحديثة دون التأثير على وظائفهم، يجب على العاملين القيام بالأمور التالية:


1- تعلُّم المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في بيئة العمل، والتعرف على الأدوات والتقنيات الجديدة المستخدمة في هذا المجال.


2- الاستثمار في تحسين المهارات الأساسية، مثل المهارات الحاسوبية والبرمجية والتفكير الإبداعي.


3- إدارة الوقت بشكل فعال والعمل على زيادة الإنتاجية، مع الحفاظ على التوازن بين التكنولوجيا الجديدة والمهارات التقليدية.


4- العمل على بناء علاقات عمل إيجابية مع الروبوتات والحواسيب الذكية المستخدمة في مكان العمل، وتعزيز التفاعل البشري-الآلي.


5- التفكير بشكل إبداعي وابتكار حلول جديدة للاستفادة القصوى من ميزات الذكاء الاصطناعي والتطورات التقنية في بيئة العمل.


6- الاستمرار في التعلم والتحديث والابتكار من خلال متابعة التطورات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي، والعمل على تطوير مهاراتهم ومعرفتهم في هذا المجال.


- عدم الدقة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخطئ في بعض الأحيان، وهذا يعود إلى البيانات الخام التي يعتمد عليها في التعلم والتحليل، والتي يمكن أن تكون غير كافية أو غير دقيقة.


- الأمن والخصوصية: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم ويتحللل من البيانات الشخصية، مما يؤدي إلى خرق الخصوصية، ويمكن أن يتم اختراقه واستخدامه لأغراض غير مشروعة.


- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل كامل دون أي تدخل بشري، يمكن أن يؤدي إلى تبعات غير متوقعة.


أما عن كيف يمكن تفادي سلبيات الذكاء الاصطناعي؟ فيقول عمار محمد، إن بعض الإجراءات التي يمكن اتباعها لتحقيق ذلك، ومنها:


- التحقق من مصدر البيانات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي، والتأكد من صحتها وموثوقيتها، حيث أن استخدام بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة.

 

- حماية البيانات الشخصية: يجب ضمان حماية البيانات الشخصية التي يتم استخدامها في تدريب الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن استخدام هذه البيانات بطرق غير مشروعة وتأثير سلبي على الخصوصية والأمان الإلكتروني.


- التأكد من القرارات: يجب التحقق من صحة القرارات التي يتم اتخاذها بواسطة الذكاء الاصطناعي، ويمكن ذلك عن طريق تحديد الخوارزميات المستخدمة والتحقق من مدى تأثيرها على القرارات النهائية.


- توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي: يجب تجنب استخدامه في أي أنشطة تسبب ضرراً للبشرية، مثل الاستخدام الخاطئ للتعرف على الوجوه أو التجسس الإلكتروني.


- توفير التدريب والتعليم: يجب توفير التدريب والتعليم للمستخدمين والمطورين على استخدام الذكاء الاصطناعي


وحول دقة الأرقام المتداولة حول تضرر ما يقرب من 300 مليون وظيفة على مستوى العالم من الذكاء الاصطناعي، وهي أرقام مبالغ فيها، اعتبر عمار محمد أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه الأرقام مبالغ فيها أو لا، حيث أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف يتفاوت بشكل كبير ويعتمد على الصناعة والقطاع الاقتصادي المعني.


على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة في بعض الصناعات مما يزيد من الطلب على العمالة، في حين أنه قد يؤدي إلى تقليص الوظائف في بعض الصناعات الأخرى.


ويتوقع أن يؤدي التطور السريع في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى تغييرات جوهرية في الطريقة التي يتم بها العمل والإنتاج، وقد تؤدي هذه التغييرات إلى تقليص بعض الوظائف وتحديث الكثير منها، إلا أنه التطور السريع في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى إنشاء فرص عمل جديدة في الصناعات الناشئة والمتقدمة، بالإضافة إلى تغييرات جوهرية في الوظائف الحالية.


من جانيه أكد محمد أحمد القصابي عضو النادي العلمي القطري ورئيس قسم الروبوت بالنادي، على تميز البنية التحتية التكنولوجية التي تمتلكها قطر للاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي، مضيفاً: هناك العديد من المدن الذكية مثل مشيرب ولوسيل وغيرها وهناك جهات عديدة في الدولة تستخدم الذكاء الاصطناعي و"الأوتوميشن" (الأتمتة) لزيادة الفاعلية فيما يتعلق ببعض المهام، وعلى سبيل المثال نجد المصانع التي أصبحت تستخدم بشكل كبير الروبوتات والأجهزة الإلكترونية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتفعيل بعض المهام التي ربما تكون "فوق طاقة البشر".


وأضاف: وأيضاً هناك استخدامات للذكاء الاصطناعي في مجالات التطبيقات الذكية لدراسة العديد من الأمور في السوق القطري وطريقة عمل الجهات الحكومية والشركات الخاصة لتحليل البيانات والمعطيات الموجودة للوصول إلى مخرجات أكثر فاعلية..


ويرى أنه لا يوجد أضرار مباشرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي على سوق العمل في قطر، ولكنه لا يستبعد وجود ضرر بشكل غير مباشر بمعنى أن الإنسان أصبح يعتمد على الذكاء الاصطناعي أكثر لدرجة اعتماده على الكمبيوتر في التفكير واتخاذ القرار نيابة عنه، مستشهداً بالضجة التي أحدثها مؤخراً "تشات جي بي تي" والإقبال الكبير عليه للقيام ببعض المهام وهذا يعتبر الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي الذي قد يجعل البشر مستقبلاً "إتكاليين" أكثر عليه ويحد من طريقة تفكيرهم وذكاءهم البشري.


ويقلل محمد القصابي من تأثر سوق العمل سلباً بالذكاء الاصطناعي، قائلاً: صحيح قد يستبدل الذكاء الاصطناعي البشر في بعض الوظائف ولكن في نفس الوقت سيخلق فرصاً جديدة للعمل خاصة وبدرجة أكبر في مجال التكنولوجيا، موضحاً:


إذا استعنّا بـ"طبيب روبوت" فلا يمكن إنتاج وتصميم الروبوت دون استشارة الطبيب البشري للاستفادة من خبراته وعلمه في تخصصه، وهذا يخلق فرص عمل أكثر، وليس استبدالهم بشكل مباشر كما يقول البعض..


ويرى محمد القصابي أن المطلوب من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، هو عدم التعامل مع الأمر على أنه "منافسة" بين البشر والأجهزة الإلكترونية ولكن كـ"فريق تعاوني" بين الاثنين للاستفادة القصوى من مزايا التكنولوجيا المتطورة لإن اعتمادنا بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي قد ينتج عنه تقصير وسلبيات لأنه ليس لديه نفس طريقة تفكير البشر، وإذا اعتمدنا على البشر بشكل كلي فليس لديهم القدرة البدنية للقيام ببعض المهام التي يمكن أن تقوم بها الروبوتات مثلاً,


ويؤكد أهمية قبول البشر لوجود الذكاء الاصطناعي و"التعاون" والاستفادة منه والعمل كـ"فريق واحد" لزيادة الإنتاج بشكل أكبر لمواكبة العصر.


توقع محمد القصابي أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على مسارات اختيارات الطلاب في المرحلة الجامعية، مشيراً إلى الاهتمام الكبير من الدولة وأيضاً الطلاب لدراسة تخصص الأمن السيبراني الذي أصبح مطلوباً في سوق العمل بشكل كبير، منوهاً بأن الذكاء الاصطناعي أصبح تخصصاً رئيسياً أو فرعياً يتم تدريسه في بعض الجامعات، معتبراً أن "الذكاء الاصطناعي هو المستقبل"


وفيما يتعلق بالأرقام التي تتوقع تضرر أكثر من 300 مليون وظيفة على مستوى العالم بالذكاء الاصطناعي في المستقبل، رأى "القصابي" أنه "رقم من وحي الخيال"، مضيفاً: صحيح الروبوتات ستستبدل بعض الوظائف لكن في نفس الوقت ستخلق فرص عمل جديدة، معتبراً أن الفكرة السلبية عن الذكاء الاصطناعي من قبل كثير من الناس، ترجع إلى أن بعض البشر لا يتقبلونه، مشبّهاً الأمر بما حدث عند ظهور التكنولوجيا واستخدام الأنظمة الإلكترونية بدلاً من "الورقة والقلم" وعدم تقبل الناس لذلك في بداية الأمر ثم تفاعلوا معه مع مرور الوقت، قائلاً: الناس لا تتقبل التغيير بسهولة في البداية ثم تتعود....

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة