قطر تعزز مكانتها كلاعب دولي في حل النزاعات

 

قطر

تمثل دبلوماسية الوساطة العنوان الأبرز في السياسة الخارجية لدولة قطر، وذلك من خلال سجل نجاحاتها وإنجازاتها المشهودة في هذا الصدد على مدار الأعوام السابقة، والتي جعلت منها لاعبا أساسيا ورئيسيا على الساحة الدولية في جهود الوساطة، ورسخت مكانتها كمركز عالمي للحوار والوساطات، حيث أصبحت قطر وسيطا مقبولا إقليميا ودوليا مشهودا له بالاستقلالية والحيادية بعد أن نال الوسيط القطري ثقة الفرقاء على اختلاف مشاربهم، باعتباره وسيطا نزيها يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.


وفي هذا السياق لم يكن عام 2022 استثناء في مسيرة الدبلوماسية القطرية، فقد جاء العام حافلا بالمزيد من الوساطات الناجحة، وفيما يلي أبرز المحطات في هذا الجانب:


شهد شهر أغسطس الماضي، توقيع الأطراف التشادية لاتفاقية الدوحة للسلام، التي جاءت تتويجا لمفاوضات استضافتها دولة قطر لمدة خمسة أشهر بمشاركة إقليمية ودولية، وهو الاتفاق الذي مهد لانعقاد الحوار الوطني في العاصمة التشادية نجامينا، الذي يهدف لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.


جاء هذا الاتفاق بعد مفاوضات شاقة انطلقت في مارس بمشاركة ممثلين عن الحكومة الانتقالية التشادية ومعظم الحركات السياسية العسكرية في تشاد، بوساطة دولة قطر، وذلك في إطار سياسة الدوحة المؤمنة بالحوار والمساعي الحميدة والدبلوماسية كخيار استراتيجي، وإيمانا بضرورة المساهمة في إحلال السلم والأمن الدوليين والإقليميين، حيث لم تتردد دولة قطر لحظة في قبول الوساطة واستضافة المفاوضات بين الأطراف التشادية إيمانا منها بأن التصالح الحقيقي للشعب التشادي هو الضمانة الأكيدة لاستدامة السلام والاستقرار، وبناء دولة القانون والتنمية في تشاد.


أكد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، خلال لقاء سموه، بكل من فخامة الفريق محمد إدريس ديبي إتنو رئيس المجلس العسكري الانتقالي بجمهورية تشاد، وممثلي عدد من أطراف المعارضة التشادية، بمناسبة توقيعهم على اتفاقية الدوحة للسلام بجمهورية تشاد، على أن هذه الاتفاقية تعتبر خطوة أولى تمهد الطريق أمام حوار للمصالحة الوطنية الشاملة في تشاد. من جانبهم، أعرب كل من رئيس المجلس العسكري الانتقالي بجمهورية تشاد، وممثلي أطراف المعارضة التشادية عن شكرهم لسمو الأمير المفدى على احتضان دولة قطر لمفاوضات السلام التشادية، مثمنين المساعي الحميدة لدولة قطر وحرصها الدائم على حفظ الأمن والسلام في تشاد والعالم.


وبدوره، قال سعادة السيد أنتوني غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إن هذه الاتفاقية تاريخية وستمكن - مع الالتزام بها - من تحقيق سلام دائم في تشاد، داعيا المجتمع الدولي لتقديم المساعدة اللازمة إلى تشاد في هذه الفترة الحاسمة.


وفي أغسطس الماضي نفسه، وفي ذات الوقت الذي كانت تتوج فيه جهود أشهر من المفاوضات بالتوصل الى اتفاق بين الاطراف التشادية، نجحت الدبلوماسية القطرية بالتعاون مع مصر في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لتضع حدا لعدوان استمر لمدة ثلاثة أيام، وأدى إلى استشهاد 49 فلسطينيا بينهم 17 طفلا، في وقت أصيب فيه 360 فردا آخرين بجراح مختلفة، وفقا لإحصائية رسمية لوزارة الصحة في قطاع غزة بجانب دمار كبير طال مئات الوحدات السكنية في القطاع.


وتكللت جهود قطر ومصر بالتوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ودخل حيز التنفيذ منتصف ليل الأحد 7 أغسطس 2022. وقادت قطر اتصالات ماراثونية مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي وعدد من العواصم الإقليمية والدولية للتوصل الى التهدئة وإنهاء التصعيد، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية الدكتور ماجد الأنصاري، في مقابلة مع "الجزيرة" بعد إعلان التوصل لاتفاق وقف اطلاق النار، إن الدوحة بذلت جهوداً كبيرة، لإيجاد حلول سريعة. وقال الأنصاري إن الاتصالات القطرية الحثيثة ساعدت في التعرف على حقيقة الموقف في غزة، مؤكداً أن الدور القطري "كان مفصلياً للتأكد من خفض التوتر وصولاً لوقف إطلاق النار". ولفت المتحدث باسم الخارجية القطرية إلى أن الدوحة "تواصلت مع الأطراف كافة منذ اللحظة الأولى؛ لفهم طبيعة التوتر ومآلاته بعد اغتيال القيادي العسكري بحركة الجهاد الإسلامي، تيسير الجعبري".


تلقت دولة قطر الشكر مرتين من الولايات المتحدة، لجهودها الناجحة في الافراج عن امريكيين كانوا محتجزين في افغانستان، حيث وجه البيت الأبيض، في سبتمبر الماضي، الشكر لدولة قطر على مساعدتها في الإفراج عن مواطن أمريكي يدعى مارك فريريكس، تعرض للخطف في عام 2020 في أفغانستان. وقال مسؤول بارز بالإدارة الأمريكية، خلال مؤتمر صحفي نشره البيت الأبيض، «إننا ممتنون بشكل خاص لمساعدة دولة قطر في هذا الصدد، وبصراحة، في العديد من الأمور الأخرى».


وكان مارك فريريكس جنديا سابقا في البحرية الأمريكية يعمل مهندسا مدنيا لمشاريع إنشاءات في أفغانستان، عندما تعرض للخطف في عام 2020، وفق الخارجية الأمريكية. وبعد مفاوضات طويلة، توصلت الولايات المتحدة وأفغانستان إلى تسوية بتبادل للأسرى، حيث وافقت أفغانستان على تسليم فريريكس إلى الولايات المتحدة، في مقابل إفراج الأخيرة عن زعيم قبلي أفغاني يدعى بشير نورزاي معتقل منذ عام 2005.


وفي واقعة أخرى، نجحت قطر، في ديسمبر، في الإفراج عن أمريكيين كانا محتجزين بأفغانستان، وتلقى سعادة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، اتصالا هاتفيا من مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أعرب خلاله سوليفان عن شكر بلاده لدولة قطر على جهودها التي توجت بالإفراج عن مواطنين أمريكيين كانا محتجزين في أفغانستان، مؤكدا أن قطر شريك ثابت للولايات المتحدة في الجهود المشتركة بأفغانستان.


لم تتوقف مساعي دولة قطر خلال عام 2022 لدعم جهود إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (العودة الى الاتفاق النووي) وضرورة العمل نحو الحل الدبلوماسي لتجنيب المنطقة المزيد من التصعيد، وذلك في اطار حرصها على دعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة والمساهمة في تعزيز الأمن والسلم الدوليين، حيث قادت اتصالات حثيثة بين الجانبين الامريكي والايراني، أثمرت عن استضافة الدوحة، في نهاية يونيو الماضي، لمفاوضات بين واشنطن وطهران، بهدف إحياء الاتفاق وكسر الجمود في الملف النووي الإيراني، في مبادرة نالت إشادة الرأي العام العالمي وأكدت ثقة المجتمع الدولي في الجهود الدبلوماسية لدولة قطر.


واستطاعت جولة الدوحة من المحادثات غير المباشرة، أن تقرب وجهات النظر بين الجانبين، وأن تكسر الجمود الذي شاب المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، خاصةً وأن إجراءات بناء الثقة بين الطرفين كانت التحدي الأكبر أمام دولة قطر، وهو ما نجحت جولة الدوحة في القيام به والتأسيس لمباحثات فيينا غير المباشرة أيضا بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، خلال شهر أغسطس الماضي.


وسبق استضافة الدوحة لجولة المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، قيام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بزيارة طهران، في زيارة رسمية لإيران في الثاني عشر من مايو الماضي، حيث أكد سمو الأمير المفدى وفخامة الرئيس الدكتور إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تصريحات مشتركة عقب مباحثاتهما، أن الجانبين اتفقا على أهمية العمل جميعا في المنطقة على حل النزاعات وتخفيف التوتر وجعل المنطقة في وضع أفضل بما يخدم شعوبها.


وفي العشرين من مايو الماضي، أعرب سمو الأمير المفدى خلال مؤتمر صحفي مشترك مع دولة السيد أولاف شولتس المستشار الألماني في إطار زيارة العمل التي قام بها سموه لألمانيا، عن تفاؤل دولة قطر بالحوار بين هذه الأطراف، لافتا إلى أنّ دولة قطر مع حل النزاعات بالطرق السلمية، آملا سموه أن يتم التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب، حيث أبدى سموه استعداد دولة قطر للوساطة بين إيران وأوروبا والولايات المتحدة في حال طُلب منها ذلك.


وفي يوليو الماضي، توجه وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر صحفي مشترك مع سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بالشكر لدولة قطر على حسن استضافة المحادثات الثلاثية غير المباشرة في الدوحة لإحياء الاتفاق النووي، وقال: شهدنا دوراً بارزاً من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ومساعيه الحميدة لتسهيل المباحثات ودفعها إلى الأمام.


وواصلت دولة قطر اتصالاتها وجولاتها المكوكية بين الأطراف ذات الصلة لتقريب وجهات النظر حول الملف النووي الإيراني وإحياء الاتفاق الخاص به، وكان آخر هذه الاتصالات الرسالة الخطية التي بعثها سعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في 26 ديسمبر، إلى نظيره الايراني أمير حسين عبد اللهيان، والتي قام بتسليمها سعادة الدكتور محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي مساعد وزير الخارجية للشؤون الإقليمية، خلال اجتماعه، مع الوزير الإيراني في طهران. فضلا عن المحادثات التي اجراها الدكتور محمد الخليفي، مساعد وزير الخارجية للشؤون الإقليمية، في اليوم نفسه، في طهران، مع سعادة الدكتور علي باقري، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي جرى خلالها مناقشة آخر مستجدات مفاوضات العودة لخطة العمل المشترك.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة